تكريم الراحلين- شهادات فخرية للطلاب المتوفين، وفاءً وتقديراً للجهود العلمية.
المؤلف: تركي الرجعان10.06.2025

دعوة سامية لتكريم الطلاب الذين فارقوا الحياة، واعتراف مشهود بمساعيهم العلمية الجليلة، وذلك حينما يتوقف مسار الزمن قبل بلوغ الغاية المنشودة وتحقيق الأحلام. نعلم جميعًا أن الجامعات ليست مجرد صروح أكاديمية تمنح الشهادات وتنشر المعرفة، بل هي أوساط خصبة تُنمّى فيها العقول الراجحة، وتُرسخ فيها الطموحات العالية، ويتشكل من خلالها مستقبل الأفراد والمجتمعات قاطبة. ففي كل قاعة دراسية، ثمة طلاب متفانون يسعون بدأب، ويحلمون بعزيمة، ويعملون بكل جد وإخلاص للوصول إلى اللحظة الفارقة، لحظة التخرج البهيجة، حيث تُختتم رحلتهم العلمية المكللة بالنجاح بتتويج مستحق وفرحة غامرة. ولكن ماذا لو توقفت هذه الرحلة الزاهرة قسرًا وظلمًا؟ ماذا لو غاب أحدهم عنا قبل أن ينعم برؤية ثمرة جهوده المضنية؟
هذا السؤال المحزن لم يعد مجرد افتراضًا نظريًا، بل تجسد واقعًا ملموسًا في الفاجعة المؤلمة بفقدان الطالب النبيه محمد بن خالد السور، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، قبل أسبوع واحد فقط، بينما كان على أعتاب التخرج الميمون في كلية القانون العريقة. فبعد سنوات حافلة من الاجتهاد والمثابرة الدؤوبة، كان على بعد خطوات معدودة من تحقيق حلمه الأسمى وهدفه المنشود، ولكن القدر المحتوم شاء أن يرحل عن عالمنا قبل أن يحظى بحمل شهادته الغالية بين يديه الكريمتين. ففي مثل هذه الحالات الاستثنائية، هل تنتهي القصة عند هذا الحد الفاجع؟ أم أن للجامعات رسالة سامية ومسؤولية أخلاقية نبيلة في تخليد ذكرى طلابها الأعزاء الذين غيبهم الموت قبل إدراك أحلامهم المرجوة؟
التعليم أسمى وأجل من أن يكون مرتبطًا بالحضور الجسدي الفاني، فالجامعات في جوهرها ليست مجرد جهات رسمية مانحة للشهادات والألقاب، بل هي مؤسسات نبيلة تحمل رسالة أعمق وأكثر شمولًا، تقوم على ترسيخ قيم العدل والمساواة، والتقدير والإنصاف. وانطلاقًا من هذا المنظور السامي، فإن تكريم الطلاب المتفوقين الذين رحلوا قبل تخرجهم المنتظر لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه مجرد مبادرة عاطفية إنسانية، بل هو واجب ومسؤولية أكاديمية وإنسانية رفيعة تعكس وفاء الجامعة الصادق لطلابها الأعزاء، وتجسد تقديرها العميق لجهودهم المضنية. ونحن في مملكة الإنسانية، حري بنا أن نكون السباقين في كل ميدان إنساني نبيل، وهذه المبادرة القيمة تؤكد أن الجهد العلمي المثمر لا يُمحى أثره أبدًا، حتى وإن انقطعت رحلة صاحبه في هذه الحياة الدنيا.
يعلم الجميع أنه في العديد من الجامعات العالمية المرموقة توجد تقاليد راسخة وعادات حميدة تقضي بمنح شهادات فخرية أو شرفية للطلاب المتوفين الذين كانوا على وشك التخرج، إيمانًا عميقًا بأن الموت لا يجب أن يكون عائقًا وحاجزًا أمام الاعتراف بالجهد المبذول والعطاء المتفاني. إن تبني هذا النهج السديد في جامعاتنا السعودية سيكون خطوة رائدة ومبادرة مباركة نحو تعزيز ثقافة الوفاء والتقدير في مجتمعنا، وسيبعث برسالة واضحة المعالم مفادها أن التحصيل العلمي الرفيع لا يضيع سدى، وأن اسم الطالب سيظل جزءًا لا يتجزأ من نسيج الجامعة العريق حتى وإن غادر الحياة الفانية.
كيف يمكن تحويل هذه المبادرة النبيلة إلى واقع ملموس؟ ولضمان أن يصبح هذا التكريم الرفيع جزءًا أصيلًا من السياسات الجامعية، يمكن العمل الدؤوب على وضع إطار تنظيمي واضح المعالم يشمل منح الشهادة الفخرية للطلاب المتميزين الذين أكملوا نسبة كبيرة وجوهرية من متطلبات تخرجهم قبل وفاتهم، وتشكيل لجنة أكاديمية متخصصة ومحايدة لوضع معايير عادلة ومنصفة لهذا التكريم الرفيع. كما يمكن تنظيم حفل سنوي بهيج تحتفي فيه الجامعات بطلابها الراحلين الأعزاء بحضور أسرهم الكريمة، لتأكيد أن جهودهم المضنية لم تذهب هباءً، وإدراج هذه الشهادات الفخرية في السجلات الأكاديمية، بحيث تظل جزءًا لا يتجزأ من الإرث العلمي والإنساني للجامعة.
الوفاء العلمي الراسخ لا يسقط بالتقادم أبدًا، إن فقدان طالب مجتهد قبل تخرجه المرتقب ليس مجرد حادثة عابرة أو أمرًا يسيرًا، بل هي لحظة مؤثرة تستدعي التأمل العميق في قيم الوفاء والتقدير داخل المنظومة العلمية والدراسية. ومنح شهادة فخرية للطالب الراحل محمد بن خالد السور، رحمه الله، ولكل طالب فقدته الجامعة وهو على مشارف التخرج، هو أكثر من مجرد لفتة رمزية بسيطة، بل هو إقرارٌ رسمي بأن التحصيل العلمي الرفيع لا يرتبط فقط بالحياة الدنيا، بل هو قيمة سامية ومستمرة تستحق التقدير والثناء حتى بعد الرحيل والفراق.
إن الجامعات تُبنى بالعلم والمعرفة، ولكنها تبقى شامخة وتستمر مزدهرة بالقيم النبيلة والأخلاق الفاضلة. وإن تبني مبدأ «الشهادة الفخرية للطلاب الراحلين» ليس مجرد تكريم فردي لشخص عزيز، بل هو تأسيس لنهج أكاديمي وإنساني قويم يعزز ثقافة الوفاء والتقدير في مجتمعنا، ويؤكد أن الرحلة العلمية المباركة لا تتوقف بالموت، بل تبقى كإرثٍ خالد وبصمة لا تُمحى يحمل أسماء من رحلوا عنا، ويدل دلالة قاطعة على أن الجهود المضنية المبذولة في طلب العلم والمعرفة تستحق أن تُكرّم وتُشاد بها، مهما كانت الظروف والأحوال.